كتبت ناتالي توتشي أن المرحلة الأولى من خطة دونالد ترامب بشأن غزة منحت قادة أوروبا ما يشبه التنفّس بعد حرب دامت عامين، إذ وفّر وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وانسحاب جزئي للجيش الإسرائيلي من القطاع بوادر أمل، لكنها منحت أوروبا أيضًا ذريعة جديدة للجمود. فبينما أظهرت أوروبا وحدة صارمة تجاه غزو روسيا لأوكرانيا، كشفت في حرب غزة وجهها الأكثر تشتتًا، إذ انقسمت حكوماتها وفقدت بوصلتها الأخلاقية، حتى بدت شريكة في جرائم الحرب الإسرائيلية عبر صمتها وتعاونها الاقتصادي والعسكري المستمر مع تل أبيب.

بحسب تقرير الجارديان، تجاهلت مؤسسات الاتحاد الأوروبي غضب شعوبها، خاصة الشباب، الذين يرون في حرب غزة جريمة جماعية. هؤلاء أنفسهم دعموا أجندة المناخ قبل خمس سنوات، لكنهم اليوم يصدمون بصمت قادتهم أمام المذبحة. احتاج الاتحاد الأوروبي عامين ليعترف عدد من أعضائه – فرنسا وبريطانيا وبلجيكا ومالطا ولوكسمبورغ – بالدولة الفلسطينية، بعد أن سبقتهم إسبانيا وأيرلندا والنرويج وسلوفينيا.

توتشي تشير إلى أن المفوضية الأوروبية اقترحت الشهر الماضي أول عقوبات خجولة ضد إسرائيل، شملت تجميد التفضيلات التجارية ومعاقبة الوزراء والمستوطنين المتطرفين، إلا أن الإجراءات بقيت حبرًا على ورق. فإقرار الأولى يتطلب إجماع الدول السبع والعشرين، وهو أمر مستبعد مع رفض المجر والتشيك، أما الثانية فتحتاج إلى أغلبية مؤهلة لكن معارضة ألمانيا وإيطاليا جعلتها مجمدة هي الأخرى.

وفي يونيو الماضي، خلص الاتحاد إلى أن إسرائيل خرقت التزاماتها الحقوقية بموجب اتفاق الشراكة مع أوروبا. ورغم ذلك، علّقت مسؤولة السياسة الخارجية كايا كالاس الخطوات نحو تعليق الامتيازات التجارية، وهو الموقف الذي يُتوقع أن يتبنّاه قادة الاتحاد في قمتهم المقبلة. المفارقة الصارخة، كما تقول توتشي، تكمن في مقارنة هذا التردد الأوروبي تجاه إسرائيل بحزمهم تجاه روسيا، حيث أقر الاتحاد 19 حزمة عقوبات دفاعًا عن الديمقراطية، بينما خسر مصداقيته تمامًا في غزة.

خطة ترامب — رغم هشاشتها — منحت القارة العجوز مهربًا سياسيًا، إذ سمحت لحكوماتها بأن تبدو منخرطة في “صناعة السلام” بينما تتجنب اتخاذ موقف حقيقي من جرائم الاحتلال. صارت أوروبا تكتفي بدور التابع لواشنطن، فتعد بالمساعدات الإنسانية ودعم إعادة الإعمار ومراقبة الحدود، لكنها تتجنب أي ضغط مباشر على إسرائيل. والأسوأ أن إسرائيل تشترط على الاتحاد الأوروبي التخلي عن عقوباته المقترحة مقابل السماح له بالمشاركة في إعمار غزة.

توتشي ترى أن هذا السلوك “مفهوم” من زاوية سياسية، لأن الخطة الأمريكية هي الوحيدة المتاحة حاليًا، ولأن الولايات المتحدة الوحيدة القادرة على الضغط الفعلي على إسرائيل لتغيير سلوكها. إلا أن استمرار تنفيذ الخطة سيواجه عقبات كبرى: فإسرائيل لن تنسحب كليًا من غزة إلا إذا نزعت حماس سلاحها، وحماس لن تفعل إلا إذا انسحبت إسرائيل. وهكذا يستحيل المضي في الخطة دون حلّ المعضلة الأساسية.

الخطة تتحدث عن انتقال تدريجي إلى حكم فلسطيني ذاتي تقوده حكومة تكنوقراط، ثم “سلطة فلسطينية مُصلحة”، لكن معنى “الإصلاح” يختلف بين واشنطن وأوروبا والعواصم العربية، بل وحتى بين الفلسطينيين أنفسهم. أما إسرائيل فترفض السلطة من الأساس وترفض فكرة الدولة الفلسطينية. ورغم إعلان وقف إطلاق النار، ما تزال القوات الإسرائيلية تقتل عشرات المدنيين في غزة، بينما تواصل حماس إطلاق النار.

تؤكد الكاتبة أن استئناف العنف مسألة وقت ما لم يضغط الغرب — خاصة واشنطن وبروكسل — بقوة أكبر على إسرائيل. فالخطة الأمريكية وحدها لن تصنع سلامًا حقيقيًا، بل قد تُبقي غزة والضفة تحت الاحتلال.

وتختم توتشي بالقول إن الأوروبيين يخطئون عندما يفصلون بين دعم خطة ترامب والضغط على إسرائيل، فالأمران مترابطان لا متناقضان. الخطة لا يمكن أن تنجح إلا إذا ترافقت مع إرغام تل أبيب على التراجع عن سياساتها. إذا أرادت أوروبا أن تستعيد شيئًا من مصداقيتها المفقودة، فعليها أن تتحرر من عقدة التبعية للولايات المتحدة وتستخدم قوتها الاقتصادية والسياسية لفرض العدالة، لا لمواصلة صمتها المريح على جراح غزة.

https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/oct/22/eu-war-gaza-donald-trump-peace-israel-europe